الإعلان السياسي الجديد.. هل يجبُّ ما قبله؟
أعلن مجلس السيادة أمس عن اتفاق سياسي جديد بين اطراف الاطاري والقوى غير الموقعة عليه، في اشارة الى مكونات الكتلة الديمقراطية التي انخرطت خلال اليومين الماضيين في اجتماعات مكثفة مع المركزي بحضور البرهان ونائبه حميدتي وبأشراف الرباعية والثلاثية.
وتأتي خطوة الاتفاق لتضع حداً للنزاع السياسي الدائر بين شقي الحرية والتغيير (المجلس المركزي ــ الكتلة الديمقراطية) الذي وصل ذروته عقب التوقيع على اتفاق اطاري بين المكون العسكري وقوى الائتلاف واحزاب الشعبي والاتحادي وجماعة انصار السنة في مطلع ديسمبر الماضي، ثم أعقبه في يناير بدء الجولات الحاسمة بالنقاش حول القضايا الخمس للوصول لاتفاق نهائي ينهي الازمة المشتعلة لعام ويزيد.
(1)
وفي بيان رسمي كشف مجلس السيادة عن انعقاد سلسلة من الاجتماعات طوال الايام الثلاثة الماضية، برئاسة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي وبحضور نائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو.
واضاف البيان ان الاجتماعات ضمت الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري والأطراف غير الموقعة عليه، حيث انه بعد نقاش مستفيض وبروح وطنية عالية واضعين مصلحة البلاد ونجاح الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي، تم الاتفاق على الصيغة النهائية للإعلان السياسي، وسوف يجري الترتيب لإجراءات التوقيع عليه بالسرعة المطلوبة.
ووفق المتغيرات الجديدة فإن المشهد موعود بشكل جديد تتباين فيه رؤى المراقبين والمتابعين للشأن السياسي في توصيفه، فمنهم من يذهب الى ان الاعلان الجديد سيجبُّ ما قبله في اشارة الى الاطاري كعملية سياسية، فيما يرى آخرون انه سيكون بمثابة طريق ثالث او منطقة جديدة يتبارى المتحاورون فيها للوصول لصيغة لاستئناف الفترة الانتقالية المتعثرة، ووصولاً لتفويض بتشكيل حكومة مدنية بموجب حالة تراضٍ ولو بالحد الادنى.
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عبد الماجد عبد الحميد، ذكر ان التقلبات الجديدة في الراهن السياسي اشارة قوية الى ان كل القوى السياسية تبحث عن مخرج عبر منطقة ثالثة.
ويرى عبد الماجد ان الكتلة الديمقراطية قد كسبت الرهان ونسفت الاتفاق الاطاري بدخولهم في المعترك الجديد وفق رؤى واطروحات مختلفة الغت العملية السياسية. ويتفق عبد الماجد مع غيره في وصف المرحلة الجديدة بـالطريق الثالث.
وكانت الكتلة الديمقراطية قد عادت فجر الخميس من مصر بعد مشاركتها في ورشة دعت لها القاهرة لحوار سوداني ــ سوداني شارك فيه اكثر من (75) مكوناً سياسياً وحركة مسلحة خلصوا الى اعلان سياسي وتشكيل تنسيقية تحالف عريض، وفور عودتها من القاهرة التقت الكتلة المبعوثين الدوليين الستة، ثم خاضوا جولات ماراثونية مع المجلس المركزي بحضور رئيس مجلس السيادة ونائبه حميدتي افضت الى الاعلان عن خطوة جديدة في اطار مساعي وضع حد للازمة، وقطعاً لن يكون الطريق مفروشاً بالورود وانما بالاشواك والالغام، خاصة ان البيان الذي اخرجه مجلس السيادة لم يشر للاطراف، علماً بأن المباحثات المعلنة شاركت فيها حركتا العدل والمساواة وتحرير السودان والحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل، مما رسم تساؤلات عن مصير باقي المكونات الرافضة على غرار باقي المشاركين في ورش القاهرة، بجانب مكونات نداء اهل السودان والبعث والشيوعي الذي يقود تحالف الحل الجذري، اضف اليهم التيار الاسلامي، الامر الذي ينبئ بأن الوصول لصيغة توافقية تنهي الازمة بشكل جذري لم يكتمل بعد في انتظار قادم المواعيد.
(2)
الاطراف الموقعة على الاطاري بدورها ظلت ترفض اية مقترحات لفتح العملية السياسية واضافة آخرين، الامر الذي قاد رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان الى انهاء وساطته قبيل اسبوعين بعد عجز الطرفين ــ وهما المركزي والكتلة الديمقراطية ــ عن الوصول لتفاهمات، حيث ظلت قوى الائتلاف الحاضنة السابقة لحكومتي حمدوك تؤكد تفاوضها فقط مع حركتي جبريل ومناوي بموجب استحقاق اتفاق السلام وعدم اعترافهم بالتفاوض مع الكتلة، فيما أصر جبريل ومناوي على أن يكون التفاهم بموجب الائتلاف الذي يقودونه، الامر الذي عقد المشهد السياسي وجعل الحلول بعيدة قبل ان يصل المبعوثون الستة الذين يجزم مراقبون بأن زيارتهم للخرطوم كانت فاصلة واسهمت في وضع الفرقاء تحت الضغط.
فيما وصف الخبير والمحلل السياسي البروفيسور حسن الساعوري التداعيات الاخيرة بـ (فاتحة الخير)، وقال لــ (الانتباهة): (ينبغي ان نتفاءل بعد ان شعرت المكونات السياسية بالازمة وقدمت تنازلات)، ولكن محدثي عاد وقال ان التقييم سابق لاوانه حتى يطلع الجميع على الاعلان السياسي، مشيراً الى خشيته من تراجع الاطراف قبل التوقيع الرسمي، ودعا الساعوري الفرقاء الى تغليب المصلحة الوطنية، معتبراً ان استمرار الاوضاع بشكلها الحالي سيفضي بالبلاد الى التهلكة وخلق حالة فوضى سياسية.
(3)
وبدوره كشف الامين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر عن قرب انتهاء الازمة، وقال لـ (الانتباهة) ان الامور تمضي بصورة طيبة لحل سياسي يرضي كافة الاطراف، مشيراً الى ان التجربة أثبتت بالدليل القاطع ان الطريقة الاقصائية تعطل تقدم البلاد، وان الاتفاق الاطاري بدون عملية سياسية شاملة تجمع كل الناس المتفقين في خط السلطة المدنية بمثابة تكرار لاخطاء النظم العسكرية. واضاف عمر انه يجب الاتفاق على السلطة المدنية كمبدأ ضمن التدابير الانتقالية والمؤسسات المحايدة، وتابع قائلاً: (ان وجود القوى التي تؤمن بالتحول الديمقراطي مهم في ترسيخ مبدأ الانتقال الدستوري والسياسي).
الخبير والمحلل السياسي د. صلاح الدومة بدأ حديثه متسائلاً عن صيغة الاتفاق، وهل تم مع مناوي وجبريل وجعفر كمبعوثين من الكتلة الديمقراطية ام يمثلون انفسهم؟ مع الاشارة الى ان المجلس المركزي اشترط عدم قبول المشاركين في الانقلاب للتوقيع وعدم اغراق الاطاري ــ على حد زعمه.
واعتبر الدومة في افادته لـ (الانتباهة) ان ما جرى أخيراً نقطة اضافية تحسب للعملية السياسية التي لن تُلغى، وانما سيتم تعديل الاعلان السياسي بسطر او سطرين، على حد تعبيره.
فيما كشفت مصادر مطلعة لـ (الانتباهة) ان الاعلان الجديد سيكون أكثر شمولية، وانه تم بضغوط من المجتمع الدولي والاقليمي لوضع حد للازمة السياسية. واضافت المصادر ان التغيرات الجديدة ستصحب مناوي وجبريل وجعفر ضمن آخرين للدفع بالعملية السياسية للامام وايجازها بشكل سريع وصولاً لتشكيل حكومة مدنية.
(4)
وفور اعلان مجلس السيادة عن التوافق المرتقب تباينت ردود الافعال حياله، حيث يتساءل الكثيرون عن شكل الاعلان السياسي الجديد، وهل هو حكر على الكتلة الديمقراطية بشكل عام، ام ان هنالك اطرافاً اخرى؟ ام ان مناوي وجبريل وجعفر يمثلون تنظيماتهم بشكل منفرد وليس الكتلة؟
خبراء سياسيون اعتبروا انه من المبكر الاجابة عن جملة التساؤلات الموضوعة، خاصة مع اشارتهم الى ان ورشة القاهرة بجانب زيارة المبعوثين الستة قد اسهمت في تحريك راكد السياسة، ووضع حلقة ضغط على الاطراف السودانية أسهمت بالخطوات الاخيرة التي تنبئ عن قرب انتهاء الازمة والاتجاه صوب تشكيل الحكومة.
ولكن بعض الاصوات ترى ان الاعلان السياسي الجديد افرغ الاطاري من محتواه القديم، وسيصمم حل جديد وفق العملية السياسية الجارية الآن بترميمها وتوسيع دائرة المشاركة فيها، واضافة فاعلين آخرين على غرار مكونات الكتلة الديمقراطية التي شكلت نداً قوياً للمجلس المركزي ولعبت دوراً كبيراً في اجهاض الاتفاق الاطاري.