ميعاد مبارك ـ «القدس العربي»: يعتزم المعلمون في السودان الاستمرار في إضرابهم الذي بدأ في 27 نوفمبر/ كانون الثاني الماضي، للمطالبة بزيادة الأجور ورفع سقف الصرف الحكومي على التعليم، حسب ما أكد رئيس المكتب التنفيذي للجنة المعلمين السودانيين، علي عبيد لـ”القدس العربي”.
واعتبر الوعود التي أطلقتها السلطات، بتوفيق أوضاع المعلمين في مطلع العام المقبل، مجرد محاولات لتخدير المعلمين لرفع الإضراب، مؤكداً أنهم لن يقبلوا بأي وعود مؤجلة من السلطات حتى إنزال مطالبهم إلى أرض الواقع.
ولفت إلى أن وزارة المالية تواصلت معهم، بالتزامن مع بداية الإضراب، لترتيب اجتماع يناقش مطالب المعلمين، إلا أنها لم تحدد أي موعد للاجتماع ولم تتواصل معهم مرة أخرى.
واستنكر تصريحات والي الخرطوم المكلف، أحمد عثمان حمزة، حول تعيين 8 آلاف معلم ومعلمة لسد النقص في مدارس البلاد المختلفة، مندداً بما وصفها بـ”محاولات الالتفاف على مطالب المعلمين”.
وتساءل إذا كانت السلطات غير قادرة على الإيفاء بمستحقات المعلمين الموجودين في المؤسسات التعليمية، فكيف تقوم بتعيين معلمين جدد؟
وأشار إلى تلقيهم معلومات بتعرض المتقدمين لوظائف المعلمين في عدد من الولايات السودانية لضغوط، للعمل كمعلمين متعاونين قبل تعيينهم بشكل رسمي، في محاولة من السلطات لكسر الإضراب.
«خطوة جيدة»
واعتبر قرار تعيين وكيل لوزارة التعليم “خطوة جيدة”، في ظل التخبط الذي ظلت تعاني منه وزارة التربية والتعليم السودانية لأكثر من عامين، بسبب عدم وجود وزير أو وكيل للوزارة، في وقت تم تكليف مسؤول بمهام الوزير يطالب المعلمون بإقالته.
وأشار إلى أن تعيين وكيل سيسهم في حل المشكلة التعليمية في البلاد وليس قضية أجور المعلمين.
ولا يزال المعلمون السودانيون متمسكين بالإضراب، الذي أطلقوا عليه إضراب “العزة”، مؤكدين على أنه لن يتوقف حتى تتحقق المطالب، والتي سبق أن ضمنوها مذكرة رفعوها لوزارة المالية دون أن يتلقوا عليها رداً.
وشمل الإضراب عدة مدن سودانية رئيسية، بينها مدينتا القضارف بورتسودان (شرق) ومدينة مروي (شمال) بالإضافة إلى مدن العاصمة الخرطوم، حسب ما أعلنت لجنة المعلمين السودانيين، أمس الثلاثاء.
«تعبير غير مقبول»
وبالتزامن، أصدر وزير شؤون مجلس الوزراء المكلف بتسيير مهام رئيس الوزراء، عثمان حسين عثمان، قراراً بتعيين أحمد سعيد عثمان وكيلاً لوزارة التربية والتعليم.
وتطالب لجنة المعلمين السودانيين التي تنظم الاحتجاجات بإقالة وزير التعليم المكلف محمود سر الختم وتحسين الأجور، وزيادة الصرف على قطاع التعليم.
وقال والي ولاية الخرطوم المكلف، أحمد عثمان حمزة، في تصريحات صحافية إنهم يدركون الفارق الكبير بين ما يناله المعلم مقارنة مع مصروفاته، مشيرا إلى وجود لجنة تعمل على وضع المعالجات اللازمة.
وناشد المعلمين بمساعدات الحكومة في العمل على استقرار العام الدراسي، مؤكدا مساندته لهم لنيل حقوقهم، قبل أن يستدرك قائلا: الإضرابات “تعبير غير مقبول”.
ومع ذلك أكد الوالي عملهم على توفيق أوضاع المعلمين على مستوى البلاد مطلع يناير/ كانون الثاني المقبل، بعد موافقة مجلس الوزراء على تحويل مطالب المعلمين التي وصفها بالعادلة للجنة فنية تضم في عضويتها المجلس الأعلى للأجور.
كما أشار إلى أن حكومة الخرطوم صادقت على تعيين 8 آلاف معلم ومعلمة لسد النقص في المعلمين في أنحاء البلاد المختلفة.
وكان المعلمون السودانيون قد بدأوا في 27 نوفمبر/ كانون الثاني إضراباً عاماً عن العمل في ولايات البلاد المختلفة، مطالبين بزيادة الحد الأدنى للأجور وتطبيق الهيكل الراتبي الموحد للعاملين في القطاع.
وأكد رئيس لجنة المعلمين السودانيين، وقتها، يس حسن عبد الكريم، في بيان، أن مطالبهم التي تشمل تحسين الأجور وتحسين بيئة العمل وزيادة حجم الصرف الحكومي على قطاع التعليم ليصل إلى 20% من ميزانية الدولة، ليس من أجل حقوق المعلمين فقط، وإنما من أجل كل أفراد المجتمع السوداني كأصحاب حق ومصلحة في تعليم جيد منصف مجاني ومتاح للجميع.
وأضاف: “التحية للمعلمين وهم يقفون كل يوم في المدارس من أجل تعليم النشء والتحية لهم الآن وهم وقوف من أجل حقوق المعلمين والطلاب”.
«أنا معلم مضرب»
بالتزامن خاطبت لجنة المعلمين، في بيان، أسر الطلاب، وأشارت إلى أن المعلمين ترددوا لفترة طويلة في إعلان الإضراب بسبب قلقهم من آثاره على التلاميذ والطلاب بالإضافة إلى الوعود التي تلقوها من الدولة بتحسين أوضاعهم، مشيرا إلى أن ما وصل إليه حال المعلمين والمعلمات في البلاد فاق كل ما يمكن تصوره.
وقالت كذلك إن كل الأبواب أوصدت في وجوه المعلمين في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد ولم يتبق لهم إلا الإضراب لتحقيق مطالبهم التي وصفوها بـ “المشروعة”.
ومنذ اليوم الأول للإضراب ظل المعلمون في أنحاء البلاد المختلفة يتوجهون إلى المدارس ويوقعون على دفتر الحضور، مع الامتناع عن تقديم الحصص الدراسية ورفع لافتات كتب عليها “أنا معلم مضرب”.
في السياق، أعرب أكثر من ثلاثين نقابة ولجنة تسييرية مهنية عن دعمها للمعلمين في إضرابهم، وقالت في بيان مشترك، إن العاملين في مؤسسات التعليم الابتدائي والمتوسط والعالي، ظلوا يطالبون بحقوقهم المشروعة في تحسين شروط الخدمة، بينما تواصل السلطات التي وصفتها بـ”المستبدة”، تجاهل تلك المطالب، مشيرة إلى أن إضراب المعلمين حلقة من سلسلة المقاومة الطويلة التي يقوم بها الشعب منذ انطلاق ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018.
وشهدت البلاد موجات متتالية من الإضرابات المطلبية في عدد من القطاعات المهنية السودانية، احتجاجاً على ضعف الأجور في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، والتي تفاقمت منذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ومنذ سبتمبر/ أيلول 2020 بدأت السلطات برامج رفع الدعم عن الوقود والخبز والسلع والخدمات الاستهلاكية. وفي مقابل الزيادات العالية في أسعار السلع الأساسية، التي ترتبت على رفع الدعم، تراوح أجور الموظفين والعمال السودانيين مكانها، الأمر الذي تسبب في موجة واسعة من الإضرابات.
يأتي ذلك في وقت تتصاعد التظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري في البلاد والمطالبة بالحكم المدني الديمقراطي، وسط دعوات للإضراب العام والعصيان المدني، على الرغم من توقيع عدد من الأطراف المدنية اتفاقا مع العسكر في ديسمبر/ كانون الأول الجاري قالت إنه سيفضي إلى استعادة الانتقال الديمقراطي في البلاد.
وبدأ آلاف الطلاب السودانيين العام الدراسي في ظل أوضاع سياسية وأمنية واقتصادية بالغة التعقيد، بعد الانقلاب العسكري وتصاعد النزاعات في مناطق عديدة في البلاد، مما أدى إلى إعلان عدد من الولايات عن تأجيل العام الدراسي، بينما أصرت أخرى على إطلاقه.
فضلا عن تداعيات فصل الخريف، حيث أدت الأمطار والسيول التي ضربت البلاد، إلى انهيار، نحو 632 مدرسة كلياً وجزئياً، فضلا عن مشكلات نقص الكتب والمعلمين.
وحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، فإن 6.9 مليون طفل سوداني لا يذهبون للمدارس، أي أن ثلث الأطفال السودانيين في سن الدراسة لا يتلقون تعليمهم، بينما بينت أن 12 مليونا آخرين لا يتلقون تعليما جيدا. وأرجعت ذلك إلى نقص المعلمين وتردي البنية التحتية للمؤسسات التعليمية في البلاد، مشيرة إلى ضرورة توفير بيئة تمكّن الأطفال من التعلّم، وتجعلهم يحققون أحلامهم، ويظهرون إمكاناتهم الكامنة