العنف يلوح في أفق السودان مع استمرار الانسداد السياسي

 

العرب اللندنية – اختتمت ورشة العمل التي دعت إليها القاهرة بعنوان “آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان واحد يسع الجميع” الثلاثاء، وسط توقعات بالإعلان عن تكتل سياسي جديد مناهض للاتفاق الإطاري يسعى لإدخال تعديلات في بعض بنوده قبل التوقيع عليه بصورة نهائية.

ويتزامن ذلك مع وصول مبعوثين وممثلين من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى الخرطوم دعما لاتفاق إطاري وقع بين المجلس المركزي للحرية والتغيير والجيش في الخامس من ديسمبر الماضي.

وبدأ بعض السياسيين في السودان يستخدمون خطابا خشنا ينطوي على تهديد بالانزلاق إلى دائرة جديدة من العنف قد تفضي إلى صراع مرير إذا لم تنجح الخرطوم في تجاوز الانسداد الراهن، فهناك ضبابية تحيط بالمشهد السياسي برمته مع تلميح رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان باحتمال التراجع عن الاتفاق.

وهدد القيادي البارز في قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) محمد الفكي سليمان بـ”الدخول في موجات من العنف إذا سقط الاتفاق الإطاري”، مشيراً إلى أنه لا بديل عن الاتفاق أمام الموجود حاليًا.

وحذر في ندوة نظمها مركز طيبة برس بالخرطوم الاثنين من “انفراط عقد الأمن وانهيار الدولة نتيجة لما تشهده البلاد من تجييش إثني قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع والدخول في دائرة حرب أهلية شرسة”، محملا العسكريين المسؤولية عن انهيار الدولة.

وتشير سخونة التصريحات المختلفة بين قوى سياسية قريبة من أطراف دولية وبين رئيس مجلس السيادة وقيادات في الجيش إلى أن الأزمة قد تخرج من إطارها الضيق ممثلاً في الخلافات الداخلية إلى فضاء خارجي يفتح الباب لاندلاع صراع جديد.

ولا ينفصل تصاعد الخشونة اللفظية في الخرطوم عما يحدث في القاهرة، حيث مهدت الجلسات التي حضرتها قوى مناوئة للاتفاق الإطاري وغاب عنها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير لبلورة تحالف سياسي مواز للأطراف التي وقعت على الاتفاق الإطاري، ما يضع المجلس المركزي في مأزق يحول دون ترجيح كفته سياسيا.

وضمت الورشة التي عقدت في القاهرة على مدار أسبوع (من الأول حتى السابع من فبراير) 85 مشاركا يُشكلون 45 تنظيمًا سودانيًا، وأبرز القوى فيها حركتا العدل والمساواة وتحرير السودان جناح مني آركو مناوي، ووفود من الكتلة الديمقراطية، ومجموعة التوافق الوطني، وتحالف التراضي الوطني، والقوى الوطنية.

وبدت اجتماعات القاهرة محرضة على تصريحات البرهان أخيرا، أشار فيها إلى أن الجيش لن يمضي مع جهة منفردة في أي اتفاق ويعمل وفق رؤيتها.

وشدد نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) على الالتزام بالاتفاق، مؤكداً على أنه لا رجعة عنه، وأن التباينات ستظهر على نحو أكبر في الأيام المقبلة المتوقع أن تشهد مزيدا من الضغوط الخارجية وفقًا لما ستؤول إليه ورشة القاهرة.

سخونة التصريحات المختلفة بين القوى السياسية تشير إلى أن الأزمة قد تخرج من إطارها الضيق ممثلاً في الخلافات الداخلية إلى فتح الباب لاندلاع صراع جديد

وناقشت اجتماعات القاهرة مجموعة من الأوراق، أبرزها مواد الدستور ولجنة إزالة التمكين والإصلاح العدلي والقانوني ومسار الفترة الانتقالية وإصلاح الخدمة المدنية واتفاق جوبا ومسار الشرق، مشيراً إلى أنه جرى التوافق على الجزء الأكبر من البنود الخاصة بكل ورقة بين القوى المشاركة في الاجتماعات.

واقترحت ورشة الحوار السوداني الثلاثاء تشكيل “مجلس وزراء يتكون من مهنيين غير حزبيين” لإدارة الفترة الانتقالية المتبقية في البلاد.

وجاء ذلك في البيان الختامي لورشة الحوار السوداني المستمرة منذ 6 أيام في العاصمة المصرية القاهرة.

وأوضح البيان “اعتمدت الورشة الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس 2019، المعدلة عام 2020 مع إجراء بعض التعديلات التي تتوافق مع مقتضيات المرحلة الراهنة لتحكم ما تبقى من الفترة الانتقالية، خاصة وأنه لا توجد سلطة تأسيسية تجيز أي دستور جديد”.

وقال منسق كتلة القوى الوطنية بتحالف الحرية والتغيير بشرى الصائم لـ”العرب” إن من اجتمعوا اتفقوا على أن يكون تشكيل لجنة إزالة التمكين بعيداً عن السياسيين، وأن تضم في أعضائها قانونيين وشخصيات قضائية ويقتصر دورها على جمع المعلومات وتقديمها للنيابة العامة التي تحيلها إلى القضاء للحكم فيها.

وتم التوافق على تعيين رئيس جديد للقضاء وتشكيل المحكمة الدستورية، وأن يتضمن قانون الخدمة المدنية وجود أدلة دامغة على فصل الموظفين المنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني إذا ثبت حصولهم على مناصبهم أو ترقياتهم بتوصيات سياسية.

واتفق من التقوا في القاهرة على تأسيس منبر خاص للشرق بديلاً عن مسار الشرق في اتفاق جوبا للسلام، وتوافقت الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق ونظارات البجا التي مثلها الناظر الأمين ترك على هذا المنبر ما يشكل حلحلة مهمة لإحدى أبرز القضايا العالقة.

وأضاف الصائم أن ورشة القاهرة سيخرج عنها إعلان سياسي توقع عليه القوى المشاركة، وفي حال التوافق على ذلك فالقوى المشاركة سوف تكون بمثابة كتلة سياسية موازية ولديها وثيقتها الدستورية الخاصة بها، وهذه صيغة تعارضها قوى ترى بضرورة وضع جميع الرؤى والطروحات المقدمة على منصة سودانية واحدة، برعاية الآلية الثلاثية المشكلة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وهيئة “إيغاد”، وتديرها وفق اختصاصاتها.

وأضحى لدى العديد من السودانيين شعور بأن بعض الأطراف المدنية والعسكرية تسعى للاستقواء بالخارج، وأن عدم الرغبة في الوصول إلى توافق عام يرجع إلى تدخلات وضعت بذور جر البلاد إلى العنف، والمستفيد من ذلك من تمّت تسميتهم بـ”تحالف الفساد والاستبداد” لاستعادة نظام الرئيس السابق عمر البشير.

وأكد نائب رئيس حزب الأمة السوداني صديق إسماعيل أن بلاده دخلت في مرحلة خطيرة جراء الانقسام السائد بين جميع المكونات السياسية والعسكرية على الساحة، لافتا إلى أن الاتفاق الإطاري يشكل مقدمة مهمة لحل الأزمة، غير أن إدارته من الأطراف الموقعة عليه تسببت في زيادة حدة الاستقطاب السياسي.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن التدافع الدولي نحو حل الأزمة السودانية لا ينذر بالخير، ويحمل التدخل غير المبرر في قرارات القوى السياسي بذور شر، مشيراً إلى أن القاهرة حاولت إنقاذ الموقف لكنها جاءت متأخرة، وكان يمكن التعويل عليها لو أن حضورها حدث قبل تأزم الانقسام والفرقة بين المكونات المختلفة.

وشدد على أن الحل الحالي بيد القوى السياسية المتناحرة وأن المجلس المركزي للحرية والتغيير والكتلة الديمقراطية وحلفائها هم القادرون على الخروج من المأزق الراهن عبر تقديم كل طرف لتنازلات تسهم في الوقوف على أرضية واحدة تعبر بالبلاد إلى بر الأمان ومرحلة الانتخابات، وأن استمرار حالة المكايدة قد يدفع ثمنها الجميع.