تقرير: محمد جمال قندول
الانتخابات الرئاسية.. الطريق الأخير
في ظل استمرار حالة انسداد الافق والتناحر السياسي والتشظي المجتمعي وتدهور الاوضاع الاقتصادية الراهنة وتباين وجهات النظر والخلافات حول المبادرات المطروحة ومن ضمنها العملية السياسية الجارية حالياً بين المكون العسكري وقوى مدنية، لا يستبعد مراقبون ان تذهب الاوضاع الراهنة الى قيام انتخابات رئاسية بمعزل عن الاستحقاق العام للصندوق، حيث يذهب فيها السودانيون لاختيار رئيس الدولة المنتخب وتفويضه لادارة شؤون البلاد.
وتعيش الخرطوم تحت وطأة أزمة سياسية حادة منذ اجراءات اكتوبر التي عرفت بقرارات البرهان، حيث تمخضت عنها أوضاع سياسية وامنية واقتصادية بالغة التعقيد، ولم تفلح كل الجهود المنصة سواء كانت سودانية خالصة او مساعي الآلية الثلاثية والرباعية والمقترحات المطروحة وآخرها المصرية في وضع حد لانهاء حالة الاحتقان السياسي واستئناف عجلة الانتقال المتعثرة.
(1)
وفي الخامس من ديسمبر الماضى اطلقت الآلية الثلاثية برفقة الرباعية حلاً سياسياً أفضى الى التوقيع على اتفاق إطاري بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي وحزبي الشعبي والاتحادي وجماعة انصار السنة المحمدية، ولم يجد الاتفاق السند الشعبي المرجو منه، وقوبل كذلك برفض تحالفات واحزاب وحركات ابرزها الكتلة الديمقراطية ومبادرة نداء اهل السودان وتحالف الحل الجذري والحرية والتغيير القوى الوطنية وقطاعات من لجان المقاومة الشبابية، مما جعل العملية السياسية أمام تحديات جسام. وفي مطلع العام الجاري انطلقت المرحلة الثانية من التفاوض بين العسكريين والمدنيين حول القضايا الخمس.
ويذهب السفير العبيد أحمد المروح الى تأييد فكرة اقامة انتخابات رئاسية، لجهة انها لا تحتاج للإجراءات المعروفة والمطلوبة لقيام انتخابات عامة، كما أنها السبيل الاقصر لاكتساب شرعية شعبية تؤهل من يفوز فيها لأن يطبق برنامجاً انتقالياً متفقاً عليه إجمالاً، وتمثل أيضاً مرحلة مهمة لحسن الاعداد للانتخابات البرلمانية العامة.
ويرى المروح ان فرص انعقاد الانتخابات الرئاسية واردة، والسبب في ذلك أن البلاد تفتقد لمؤسسة لديها شرعية انتخابية، حيث أنه لا الاحزاب التي كانت تتولى السلطة وهي قوى الحرية والتغيير ولا الحركات المسلحة ولا المؤسسة العسكرية تمتلك شرعية شعبية انتخابية، وزاد محدثي قائلاً: (اذا تركنا الاوضاع بدون شرعية انتخابية فإن الصراع الحالي سيؤدي الى تمزيق البلاد، خاصة ان القوى التي كانت تعتبر ان لديها شرعية ثورية مقسمة لاكثر من ثلاثة أقسام).
(2)
وقبل ثلاثة اسابيع زار مدير المخابرات المصرية البلاد في زيارة خاطفة طرح خلالها مقترحاً لحوار سوداني ــ سوداني مباشر لانهاء حالة التناحر السياسي تلعب فيه القاهرة دور المسهل، والتحركات المصرية قوبلت بترحاب كبير من الكيانات الرافضة للاطاري، فيما رفضتها قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي وآثرت الاستمرار في العملية السياسية الحالية. وينتظر ان تنعقد ورشة للتباحث حول القضية السودانية بدعوة من القاهرة.
وفي ظل تعدد المنابر المطروحة لحل الازمة والتشاكس بين مكونات الساحة يذهب مراقبون الى صعوبة اجراء الانتخابات في ظل الازمة التي تتجاذبها اطراف داخلية وخارجية تتقاطع مصالحها مع البعض، بل توجد متناقضات ابرزها تحول الخرطوم الى ساحة نزاع دولي بين واشنطون وموسكو وحلفاء الاثنين، ولكن بعض الأصوات تذهب الى ان خيار الانتخابات الرئاسية قد يكون مطروحاً وبفرص كبيرة حال فشلت المساعي داخلياً وخارجياً في لم شمل الفرقاء السودانيين، وقد تكون الطريق الأخير لوضع حد لمعاناة السودانيين جراء صراعات النخب السياسية.
(3)
وظل المكون العسكري ينادي بضرورة التوافق الوطني بين المكونات ولو بالحد الادنى لاستكمال الفترة الانتقالية، حيث ظل رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو واعضاء مجلس السيادة من العسكريين على غرار الفريق اول ركن شمس الدين الكباشي والفريق العطا والفريق ابراهيم جابر، يؤكدون في كل المنابر التي يطلون عبرها ضرورة الحوار والتراضي فيما ظل القاسم الابرز في اطلالاتهم (الانتخابات).
وثمة حالة ارتباك تسود المشهد المأزوم جراء عدم التراضي بين مكونات المشهد السياسي، رغم انسحاب الجيش من العملية السياسية منذ يوليو الماضي.
(4)
الخبير والمحلل السياسي د. صلاح الدومة لا يرى أن المسألة تتعلق بتباينات الرؤى او خلافها، ولكن بحسب الدومة فإن قيام اية انتخابات قبل تفكيك النظام البائد غير ذات جدوى بقوله: (قوى الحرية والتغيير قالت ان من جملة (٨٠٠) الف عامل بالقطاع العام هنالك (١٣٥) الفاً مؤتمر وطني، مما يعني انها ستأتي بانتخابات مزورة).
واضاف الدومة ان اية محاولات لقيام الانتخابات دون تفكيك النظام ودون حكومة تقوم على ذلك غير مجدية.
ولكن الخبير والمحلل السياسي د. الكباشي البكري له رأي مخالف لسابقه، حيث قال ان استمرار حالة الركود والانسداد السياسي قد يفضي في خواتيم الامر الى قيام الانتخابات العامة وليست الرئاسية فقط.
واعتبر محدثي ان الانتخابات الرئاسية قد تكون محاولة اخيرة من المكون العسكري لكسر الجمود السياسي، وستكون مؤشراً لذهاب القوى والكيانات المدنية لصناديق الاقتراع بكل اركانها كمطلب عام ينهي حالة الفراغ السياسي والفترات الانتقالية غير المحددة بمواقيت زمنية معلومة، وتعتبر حالة تعافٍ سياسي لوضع أسس الديمقراطية على أرض الواقع.
(5)
وتعيش البلاد في حالة فراغ دستوري لأكثر من عام، وذلك لفشل النخبة السياسية في التراضي وتمترس الأطراف في مواقفها وحالة الاصطفاف وراء المحاور الاقليمية والدولية، مما رسم حالة استياء شعبي واسع.
وترفض قوى الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي قيام اية انتخابات، معللة ذلك بعدم اكمال تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، فيما انسحب التيار الاسلامي من المشهد برمته وعينه على صندوق الاقتراع معتمدة على تغلغلها الشعبي خاصة في الولايات. فيما فشلت قوى المجلس المركزي في رسم مؤشرات تجعل فرصها أقوى في اي محفل انتخابي جراء الفشل الذي قدمته حينما كانت حاضنةً لحكومتي عبد الله حمدوك الاولى والثانية، فضلاً عن حالة الانشقاقات التي طالتها.
ولا تبدو فرص نجاح الاتفاق الإطاري كبيرة، حيث تتقازم بوتيرة سريعة جراء تمدد الرفض السياسي والشعبي وعدم قبولها بفتح الاتفاق للراغبين في الانضمام اليها.
وفي المقابل فإن المكون العسكري يتابع تفاصيل المشهد السياسي وعينه على كل التحركات من الفاعلين في المشهد، وذلك بمتابعة مآلات المساعي المبذولة لوضع حد للازمة.
(6)
وينتظر أن يكون فبراير حاسماً في العملية السياسية المستمرة بين العسكريين والمدنيين وقطعت اشواطاً كبيرة، فيما تستعد قوى سياسية وكيانات للمغادرة صوب ارض الكنانة لإجراء حوار سوداني ــ سوداني، عبر ورشة تبدأ في الثاني من فبراير وتختتم في السابع منه، وما بين قطار الإطاري والمساعي المصرية والاطروحات السودانية ينتظر ان تتبلور خريطة المشهد السياسي، وفي حال فشلت كل الجهود فإن المكون العسكري قد يجد نفسه مجبراً على اتخاذ قرار حاسم بترك مناورات الاحزاب ونخبها والانصياع لرغبات الشارع السوداني الذي ينتظر فرص إنهاء الازمة، وذلك بتقديمها خيار الانتخابات، وان كانت الرئاسية اقرب من العامة جراء سهولة إنجازها بتكلفة أقل وميقات زمني اسرع. كما ان الانتخابات البرلمانية قد تكون صعبة جراء عدم جاهزية اغلب القوى السياسية في ظل انشغالها بالصراع حول السلطة.
ويرى الخبير والمحلل السياسي احمد موسى عمر ان خيار الانتخابات الرئاسية هو الامثل بعد فشل المكونات في الوصول لاتفاق لادارة الفترة الانتقالية، الامر الذي يلقي بالتزامن الوطني على الجهات التي تدير المرحلة الحالية ضرورة إعادة السلطة للشعب السوداني لتفويض من يراه مناسباً بتكوين أجهزة الدولة ومؤسساتها الى حين قيام انتخابات عامة تشمل مستويات الحكم المختلفة التي تتعذر بسبب الوضع الاقتصادي الذي لا يتيح للبلاد اقامة انتخابات عامة.
ولا يتوقع موسى أن تؤتي المبادرات المطروحة أكلها بحل سياسي في ظل غياب وضعف الوازع الوطني بين الفاعلين السياسيين الذين يفقدون في الوقت الراهن القدرة على تقديم التنازلات الوطنية المطلوبة للخروج من المشكلة الحالية التي تصنف بأنها الاكثر تعقيداً في تاريخ البلاد قديماً وحديثاً.
ودعا احمد القوى السياسية الى ضرورة مراجعة مواقفها الأمية والالتقاء حول رؤية موحدة لادارة الفترة الانتقالية عبر برنامج محدود يتناول مطلوبات المرحلة اقتصادياً وامنياً واجتماعياً، والإعداد لانتخابات عامة بعد تهيئة الأرض السياسية والوطنية لذلك.